من العبارات الرائعة التي قيلت في وصف التجربة اليابانية ، ما قاله الاقتصادي الأمريكي البارز لستر ثارو من أن " اليابان في نهاية الأمر ربيت تربية حسنة " …… ثارو كان يدرك تماما أن ما تم إنجازه في اليابان ، لم يكن نتيجة للإجراءات الحكومية فقط ، وإنما كذلك بجهود الشعب الياباني ….. وهو عندما تحدث عن التربية لم يكن يقصد المفهوم الشائع لدينا للتربية ، بمعناها الأخلاقي والتعليمي ، بل كان يشير إلى الأساليب والسلوكيات التي تعامل بها المواطن الياباني مع جهود الدولة للتطوير ….. ما أود الإشارة إليه هنا ….. أن ثمار الإصلاح التي نطمح لتحقيقها ، لن تأتى بجهود الحكومة وتشريعاتها …. وحديثي هذا ليس دفاعا عن الحكومة أو تبريرا لما قصرت به …. و إنما للتأكيد على مسؤوليتنا كمواطنين عن عملية الإصلاح ونجاحها …. فالنسيج الاجتماعي مطالب بسلوكيات خاصة لمواكبة التغيرات التي تشهدها البلاد.. هذه السلوكيات لا يمكن أن تستورد من اليابان أو ماليزيا مثلا ،و إنما هي سلوكيات يجب أن تنبع من واقعنا المحلي ، كما أنها لا يمكن توجد بتشريع أو قانون ….. لكن … . نحن لا يمكننا أن نطالب المواطن بالمزيد من ضغط نفقاته الاستهلاكية ، بهدف رفع معدلات الادخار والاستثمار كما حدث في اليابان …… في الوقت الذي يعاني هو أساسا من عدم قدرته على الإنفاق على أبسط مستلزماته المعيشية …… إلا انه مسؤول عن النهوض بمسؤولياته الوظيفية ، ومواجهة الظواهر الإدارية غير القانونية … .. وهذا لن يتحقق إلا بعد توسيع مساحة مشاركة العاملين بقرارات شركاتهم ، فحتى الآن لم نسمع أن شركة قامت باستبيان رأي لموظفيها حيال مسألة ما … !! ومن جانب أخر فالمواطن … .. مسؤول أيضا عن تحسين المستوى التعليمي لأفراد أسرته … .. الخ ، وعن الإخلاص للعمل الجماعي وتقدير العمل المؤسساتي … .. وفعل كل ذلك لا يتأتى دون مساندة حكومية ، ترفع من المستوى المعيشي لهذا المواطن الذي نتمناه قديسا، وسط عالم متغير تتقاذفه سلوكيات المنفعة الشخصية و المظاهر السلطوية … .. هكذا يجب أن نعمل … . نحسن من تشريعاتنا وقوانيننا وإجراءاتنا …… و نربي أجيالنا تبعا لطموحاتنا … ..
[b]