هذا اقل ما يمكن ان نقدمه لهذا الرجل الذي كان يذوب حبا في العراق
نبذه عن حياته
*** ولد الشاعر محمد مهدي الجواهري في النجف في السادس والعشرين من تموز عام 1899م ، والنجف مركز ديني وأدبي ، وللشعر فيها أسواق تتمثل في مجالسها ومحافلها ، وكان أبوه عبد الحسين عالماً من علماء النجف ، أراد لابنه الذي بدت عليه ميزات الذكاء والمقدرة على الحفظ أن يكون عالماً، لذلك ألبسه عباءة العلماء وعمامتهم وهو في سن العاشرة.
- تحدّر من أسرة نجفية محافظة عريقة في العلم والأدب والشعر تُعرف بآل الجواهر ، نسبة إلى أحد أجداد الأسرة والذي يدعى الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ، والذي ألّف كتاباً في الفقه واسم الكتاب "جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام " . وكان لهذه الأسرة ، كما لباقي الأسر الكبيرة في النجف مجلس عامر بالأدب والأدباء يرتاده كبار الشخصيات الأدبية والعلمية .
- قرأ القرآن الكريم وهو في هذه السن المبكرة وتم له ذلك بين أقرباء والده وأصدقائه، ثم أرسله والده إلى مُدرّسين كبار ليعلموه الكتابة والقراءة، فأخذ عن شيوخه النحو والصرف والبلاغة والفقه وما إلى ذلك مما هو معروف في منهج الدراسة آنذاك . وخطط له والده وآخرون أن يحفظ في كل يوم خطبة من نهج البلاغة وقصيدة من ديوان المتنبي ليبدأ الفتى بالحفظ طوال نهاره منتظراً ساعة الامتحان بفارغ الصبر ، وبعد أن ينجح في الامتحان يسمح له بالخروج فيحس انه خُلق من جديد ، وفي المساء يصاحب والده إلى مجالس الكبار .
- أظهر ميلاً منذ الطفولة إلى الأدب فأخذ يقرأ في كتاب البيان والتبيين ومقدمة ابن خلدون ودواوين الشعر ، ونظم الشعر في سن مبكرة ، تأثراً ببيئته ، واستجابة لموهبة كامنة فيه .
- كان قوي الذاكرة ، سريع الحفظ ، ويروى أنه في إحدى المرات وضعت أمامه ليرة ذهبية وطلب منه أن يبرهن عن مقدرته في الحفظ وتكون الليرة له. فغاب الفتى ثماني ساعات وحفظ قصيدة من (450) بيتاً واسمعها للحاضرين وقبض الليرة .
- كان أبوه يريده عالماً لا شاعراً ، لكن ميله للشعر غلب عليه . وفي سنة 1917، توفي والده وبعد أن انقضت أيام الحزن عاد الشاب إلى دروسه وأضاف إليها درس البيان والمنطق والفلسفة.. وقرأ كل شعر جديد سواء أكان عربياً أم مترجماً عن الغرب .
- وكان في أول حياته يرتدي العمامة لباس رجال الدين لأنه نشأ نشأةً دينيه محافظة ، واشترك بسب ذلك في ثورة العشرين عام 1920م ضد السلطات البريطانية وهو لابس العمامة ، ثم اشتغل مدة قصيرة في بلاط الملك فيصل الأول عندما تُوج ملكاً على العراق وكان لا يزال يرتدي العمامة ، ثم ترك العمامة كما ترك الاشتغال في البلاط الفيصلي وراح يعمل بالصحافة بعد أن غادر النجف إلى بغداد ، فأصدر مجموعة من الصحف منها جريدة ( الفرات ) وجريدة ( الانقلاب ) ثم جريدة ( الرأي العام ) وانتخب عدة مرات رئيساً لاتحاد الأدباء العراقيين .
- لم يبق من شعره الأول شيء يُذكر ، وأول قصيدة له كانت قد نشرت في شهر كانون الثاني عام 1921 ، وأخذ يوالي النشر بعدها في مختلف الجرائد والمجلات العراقية والعربية .
- نشر أول مجموعة له باسم " حلبة الأدب " عارض فيها عدداً من الشعراء القدامى والمعاصرين .
- سافر إلى إيران مرتين : المرة الأولى في عام 1924 ، والثانية في عام 1926 ، وكان قد أُخِذ بطبيعتها ، فنظم في ذلك عدة مقطوعات .
- ترك النجف عام 1927 ليُعَيَّن مدرّساً في المدارس الثانوية ، ولكنه فوجيء بتعيينه معلماً على الملاك الابتدائي في الكاظمية .
- أصدر في عام 1928 ديواناً أسماه " بين الشعور والعاطفة " نشر فيه ما استجد من شعره .
- استقال من البلاط سنة 1930 ، ليصدر جريدته (الفرات) ، وقد صدر منها عشرون عدداً ، ثم ألغت الحكومة امتيازها فآلمه ذلك كثيراً ، وحاول أن يعيد إصدارها ولكن بدون جدوى ، فبقي بدون عمل إلى أن عُيِّنَ معلماً في أواخر سنة 1931 في مدرسة المأمونية ، ثم نقل لإلى ديوان الوزارة رئيساً لديوان التحرير .
- في عام 1935 أصدر ديوانه الثاني بإسم " ديوان الجواهري " .
- في أواخر عام 1936 أصدر جريدة (الانقلاب) إثر الانقلاب العسكري الذي قاده بكر صدقي .وإذ أحس بانحراف الانقلاب عن أهدافه التي أعلن عنها بدأ يعارض سياسة الحكم فيما ينشر في هذه الجريدة ، فحكم عليه بالسجن ثلاثة أشهر وبإيقاف الجريدة عن الصدور شهراً .
- بعد سقوط حكومة الانقلاب غير اسم الجريدة إلى (الرأي العام) ، ولم يتح لها مواصلة الصدور ، فعطلت أكثر من مرة بسبب ما كان يكتب فيها من مقالات ناقدة للسياسات المتعاقبة .
- لما قامت حركة مارس 1941 أيّدها وبعد فشلها غادر العراق مع من غادر إلى إيران ، ثم عاد إلى العراق في العام نفسه ليستأنف إصدار جريدته (الرأي العام) .
- في عام 1944 شارك في مهرجان أبي العلاء المعري في دمشق .
- أصدر في عامي 1949 و 1950 الجزء الأول والثاني من ديوانه في طبعة جديدة ضم فيها قصائده التي نظمها في الأربعينيات والتي برز فيها شاعراً كبيراً .
- شارك في عام 1950 في المؤتمر الثقافي للجامعة العربية الذي عُقد في الاسكندرية .
- انتخب رئيساً لاتحاد الأدباء العراقيين ونقيباً للصحفيين .
- واجه مضايقات مختلفة فغادر العراق عام 1961 إلى لبنان ومن هناك استقر في براغ ضيفاً على اتحاد الأدباء التشيكوسلوفاكيين .
- أقام في براغ سبع سنوات ، وصدر له فيها في عام 1965 ديوان جديد سمّاه " بريد الغربة " .
- عاد إلى العراق في عام 1968 وخصصت له حكومة الثورة راتباً تقاعدياً قدره 150 ديناراً في الشهر .
- في عام 1969 صدر له في بغداد ديوان "بريد العودة" .
- في عام 1971 أصدرت له وزارة الإعلام ديوان " أيها الأرق" .وفي العام نفسه رأس الوفد العراقي الذي مثّل العراق في مؤتمر الأدباء العرب الثامن المنعقد في دمشق . وفي العام نفسه أصدرت له وزارة الإعلام ديوان " خلجات " .
- في عام 1973 رأس الوفد العراقي إلى مؤتمر الأدباء التاسع الذي عقد في تونس .
- بلدان عديدة فتحت أبوابها للجواهري مثل مصر، المغرب، والأردن ، وهذا دليل على مدى الاحترام الذي حظي به ولكنه اختار دمشق واستقر فيها واطمأن إليها واستراح ونزل في ضيافة الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي بسط رعايته لكل الشعراء والأدباء والكتّاب.
- كرمه الرئيس الراحل «حافظ الأسد» بمنحه أعلى وسام في البلاد ، وقصيدة الشاعر الجواهري (دمشق جبهة المجد» ذروة من الذرا الشعرية العالية .
- يتصف أسلوب الجواهري بالصدق في التعبير والقوة في البيان والحرارة في الإحساس الملتحم بالصور الهادرة كالتيار في النفس ، ولكنه يبدو من خلال أفكاره متشائماً حزيناً من الحياة تغلف شعره مسحة من الكآبة والإحساس القاتم الحزين مع نفسية معقدة تنظر إلى كل أمر نظر الفيلسوف الناقد الذي لايرضيه شيء.
- وتوفي الجواهري في السابع والعشرين من تموز 1997 ، ورحل بعد أن تمرد وتحدى ودخل معارك كبرى وخاض غمرتها واكتوى بنيرانها فكان بحق شاهد العصر الذي لم يجامل ولم يحاب أحداً .
- وقد ولد الجواهري وتوفي في نفس الشهر، وكان الفارق يوماً واحداً مابين عيد ميلاده ووفاته. فقد ولد في السادس والعشرين من تموز عام 1899 وتوفي في السابع والعشرين من تموز 1997
محمد مهدي الجواهري
قصيدة فداء لمثواك
* ألقاها الشاعر في الحفل الذي أقيم في كربلاء يوم 26 تشرين الثاني 1947، لذكرى استشهاد الحسين .
* نُشرت في جريدة " الرأي العام " العدد 229 في 30 تشرين الثاني 1947 .
* كُتب خمسة عشر بيتاً منها بالذهب على الباب الرئيسي الذي يؤدي إلى الرواق الحسيني ،وهو شرف كبير ناله الجواهري .
*ترنم بها الدكتور الشيخ احمد الوائلي رحمة الله وكان دائما يرددها في مجالسة الحسينية وكان يصفها من ضمن اروع ما قيل في حب الحسين (عليه السلام) وهي القصيدة التي خلدت اسم الجواهري في قلوب محبي الامام الحسين (ع) لكثرة ما تتردد على السنتهم ومسامعهم،الا ان الكثير من الناس البسطاء لايعرفون ان هذه المعلقة هي للعملاق الجواهري
القصيدة:-
فِدَاءً لمثواكَ من مَضْــجَعِ تَنَـوَّرَ بالأبلَـجِ الأروَعِ
بأعبقَ من نَفحاتِ الجِنـانِ رُوْحَاً ومن مِسْكِها أَضْـوَعِ
وَرَعْيَاً ليومِكَ يومِ "الطُّفوف" وسَقْيَاً لأرضِكَ مِن مَصْـرَعِ
وحُزْناً عليكَ بِحَبْسِ النفوس على نَهْجِكَ النَّيِّـرِ المَهْيَـعِ
وصَوْنَاً لمجدِكَ مِنْ أَنْ يُذَال بما أنتَ تأبـاهُ مِنْ مُبْـدَعِ
فيا أيُّها الوِتْرُ في الخالدِينَ فَـذَّاً ، إلى الآنَ لم يُشْفَـعِ
ويا عِظَةَ الطامحينَ العِظامِ للاهينَ عن غَـدِهِمْ قُنَّـعِ
تعاليتَ من مُفْزِعٍ للحُتوفِ وبُـورِكَ قبـرُكَ من مَفْـزَعِ
تلوذُ الدُّهورُ فَمِنْ سُجَّدٍ على جانبيـه ومـن رُكَّـعِ
شَمَمْتُ ثَرَاكَ فَهَبَّ النَّسِيمُ نَسِيـمُ الكَرَامَـةِ مِنْ بَلْقَـعِ
وعَفَّرْتُ خَدِّي بحيثُ استراحَ خَـدٌّ تَفَرَّى ولم يَضْـرَعِ
وحيثُ سنابِكُ خيلِ الطُّغَاةِ جالتْ عليـهِ ولم يَخْشَـعِ
وَخِلْتُ وقد طارتِ الذكرياتُ بِروحي إلى عَالَـمٍ أرْفَـعِ
وطُفْتُ بقبرِكَ طَوْفَ الخَيَالِ بصومعـةِ المُلْهَـمِ المُبْـدِعِ
كأنَّ يَدَاً مِنْ وَرَاءِ الضَّرِيحِ حمراءَ " مَبْتُـورَةَ الإصْبَـعِ"
تَمُدُّ إلى عَالَـمٍ بالخُنُـوعِ وَالضَّيْـمِ ذي شَرَقٍ مُتْـرَعِ
تَخَبَّطَ في غابـةٍ أطْبَقَـتْ على مُذْئِبٍ منـه أو مُسْبِـعِ
لِتُبْدِلَ منهُ جَدِيـبَ الضَّمِيرِ بآخَـرَ مُعْشَوْشِـبٍ مُمْـرِعِ
وتدفعَ هذي النفوسَ الصغارَ خوفـاً إلى حَـرَمٍ أَمْنَـعِ
تعاليتَ من صاعِقٍ يلتظي فَإنْ تَـدْجُ داجِيَـةٌ يَلْمَـعِ
تأرّمُ حِقداً على الصاعقاتِ لم تُنْءِ ضَيْـراً ولم تَنْفَـعِ
ولم تَبْذُرِ الحَبَّ إثرَ الهشيمِ وقـد حَرَّقَتْـهُ ولم تَـزْرَعِ
ولم تُخْلِ أبراجَها في السماء ولم تأتِ أرضـاً ولم تُدْقِـعِ
ولم تَقْطَعِ الشَّرَّ من جِذْمِـهِ وغِـلَّ الضمائـرِ لم تَنْـزعِ
ولم تَصْدِمِ الناسَ فيما هُـمُ عليهِ مِنَ الخُلُـقِ الأوْضَـعِ
تعاليتَ من "فَلَـكٍ" قُطْـرُهُ يَدُورُ على المِحْـوَرِ الأوْسَـعِ
فيابنَ البتـولِ وحَسْبِي بِهَا ضَمَاناً على كُلِّ ما أَدَّعِـي
ويابنَ التي لم يَضَعْ مِثْلُها كمِثْلِكِ حَمْـلاً ولم تُرْضِـعِ
ويابنَ البَطِيـنِ بلا بِطْنَـةٍ ويابنَ الفتى الحاسـرِ الأنْـزَعِ
ويا غُصْنَ "هاشِـمَ" لم يَنْفَتِحْ بأزْهَـرَ منـكَ ولم يُفْـرِعِ
ويا واصِلاً من نشيدِ الخُلود خِتَـامَ القصيـدةِ بالمَطْلَـعِ
يَسِيرُ الوَرَى بركابِ الزمانِ مِنْ مُسْتَقِيـمٍ ومن أظْلَـعِ
وأنتَ تُسَيِّرُ رَكْبَ الخلـودِ مـا تَسْتَجِـدُّ لـهُ يَتْبَـعِ
تَمَثَّلْتُ يومَكَ في خاطـرِي ورَدَّدْتُ صوتَكَ في مَسْمَعِـي
وَمَحَّصْتُ أمْرَكَ لم أرْتَهِـبْ بِنَقْلِ " الرُّوَاةِ " ولم أُُخْـدَعِ
وقُلْتُ: لعـلَّ دَوِيَّ السنين بأصـداءِ حادثِـكَ المُفْجِـعِ
وَمَا رَتَّلَ المُخْلِصُونَ الدُّعَاةُ من " مُرْسِلِينَ " ومنْ "سُجَّـعِ"
ومِنْ "ناثراتٍ" عليكَ المساءَ والصُّبْحَ بالشَّعْـرِ والأدْمُـعِ
لعلَّ السياسةَ فيما جَنَـتْ على لاصِـقٍ بِكَ أو مُدَّعِـي
وتشريدَهَا كُلَّ مَنْ يَدَّلِي بِحَبْلٍ لأهْلِيـكَ أو مَقْطَـعِ
لعلَّ لِذاكَ و"كَوْنِ" الشَّجِيّ وَلُوعَاً بكُـلِّ شَـجٍ مُوْلـعِ
يداً في اصطباغِ حديثِ الحُسَ يْن بلونٍ أُُرِيـدَ لَـهُ مُمْتِـعِ
وكانتْ وَلَمّا تَزَلْ بَـــرْزَةً يدُ الواثِـقِ المُلْجَأ الألمعـي
صَناعَاً متى ما تُرِدْ خُطَّةً وكيفَ ومهما تُـرِدْ تَصْنَـعِ
ولما أَزَحْتُ طِلاءَ القُرُونِ وسِتْرَ الخِدَاعِ عَنِ المخْـدَعِ
أريدُ "الحقيقةَ" في ذاتِهَـا بغيرِ الطبيعـةِ لم تُطْبَـعِ
وجَدْتُكَ في صورةٍ لـم أُرَعْ بِأَعْظَـمَ منهـا ولا أرْوَعِ
وماذا! أأرْوَعُ مِنْ أنْ يَكُون لَحْمُكَ وَقْفَاً على المِبْضَـعِ
وأنْ تَتَّقِي - دونَ ما تَرْتَئـِي - ضميرَكَ بالأُسَّـلِ الشُّـرَّعِ
وأن تُطْعِمَ الموتَ خيرَ البنينَ مِنَ "الأَكْهَلِيـنَ" إلى الرُّضَّـعِ
وخيرَ بني "الأمِّ" مِن هاشِمٍ وخيرَ بني " الأب " مِنْ تُبَّـعِ
وخيرَ الصِّحابِ بخيرِ الصُّدُورِ كَانُـوا وِقَـاءَكُ ، والأذْرَعِ
وقَدَّسْتُ ذِكراكَ لم انتحِـلْ ثِيَـابَ التُّقَـاةِ ولم أَدَّعِ
تَقَحَّمْتَ صَدْرِي ورَيْبُ الشُّكُوكِ يِضِـجُّ بِجُدْرَانِـهِ الأَرْبَـعِ
وَرَانَ سَحَابٌ صَفِيقُ الحِجَاب عَلَيَّ مِنَ القَلَـقِ المُفْـزِعِ
وَهَبَّتْ رِياحٌ من الطَّيِّبَـاتِ و" الطَّيِّبِيـنَ " ولم يُقْشَـعِ
إذا ما تَزَحْزَحَ عَنْ مَوْضِعٍ تَأَبَّى وعـادَ إلى مَوْضِـعِ
وجَازَ بِيَ الشَّـكُّ فيما مَعَ " الجدودِ " إلى الشَّكِّ فيما معي
إلى أن أَقَمْتُ عَلَيْهِ الدَّلِيـلَ مِنْ " مبدأٍ " بِدَمٍ مُشْبَـعِ
فأسْلَمَ طَوْعَا ً إليكَ القِيَـادَ وَأَعْطَاكَ إذْعَانَـةَ المُهْطِـعِ
فَنَوَّرْتَ ما اظْلَمَّ مِنْ فِكْرَتِي وقَوَّمْتَ ما اعْوَجَّ من أضْلُعِـي
وآمَنْتُ إيمانَ مَنْ لا يَـرَى سِوَى العَقْل في الشَّكِّ مِنْ مَرْجَعِ
بأنَّ (الإباءَ) ووحيَ السَّمَاءِ وفَيْضَ النُّبُوَّةِ ، مِـنْ مَنْبَـعِ
تَجَمَّعُ في (جوهرٍ) خالِصٍ تَنَزَّهَ عن ( عَرَضِ ) المَطْمَـعِ
نرجو ان تكون قد نالت رضاكم وحفزتكم للمشاركة في هذه الفعاليه تخليدا لذكرى الجواهري
عاشوراء
قصيدة شاعر العرب الاكبر
محمد مهدي الجواهري
هي النفس تأبى ان تذِلَّ وتُقهَرا
ترَىَ الموتَ من صبرٍ على الضيم أيسَرا
وتختارُ محموداً من الذِكرِ خالداً
على العيش مذمومَ المغَبَة مُنكَرا
مشى ابنُ عليٍ مِشيةَ الليث مُخدِراً
تحدَّته في الغاب الذئابُ فاصحَرا
وما كان كالمعطي قِياداً محاولاً
على حينَ عضّ القيدُ أن يتحررا
ولكنْ أنَوفا أبصَرَ الذُّلَّ فانثنى
لأذيالهِ عن أن تُلاَُثَ مُشمِّرا
تسامىَ سموَّ النجم يأبى لنفسه
على رغبة الأدنَينَ أن تتحدَّرا
وقد حلفتْ بيضُ الظُبا أن تنوَشه
وسمرُ القَنا الخطيِّ أن تتكسَرا
حدا الموتُ ظعنَ الهاشميينَ نابياً
بهمْ عن مقرٍّ هاشميٍ مُنَفَّرا
وغُيِّبَ عن بطحاء مكة أزهَرٌ
أطلَّ على الطَف الحزينِ فأقمَرا
وآذَنَ نورُ " البيت " عند برِحلة
وغاصَ النَدى منه فجفَّ وأقفرا
وطاف بأرجاء الجزيرة طائفٌ
من الحزن يوحي خِيفةً وتطيُّرا
ومرّ على وادي القُرى ظِلُّ عارضٍ
من الشُؤْم لم يلبث بها أن تَمطَّرا
وساءَلَ كلٌّ نفسَهُ عن ذُهوله
أفي يقَظةٍ قد كانَ أم كان في كَرى
وما انتفضوا إلا وركبُ ابنِ هاشمٍ
عن الحج " يومَ الحج " يُعجله السُرى
أبت سَورةُ الأعراب إلا وقيعةً
بها انتكَصَ الإسلام رَجْعاً إلى الوَرَا
وننُكِّسَ يومَ الطفّ تاريخُ أمة
مشى قبلَها ذا صولةٍ متبخِترا
فما كان سهلاً قبلَها أخذُ موثق
على عَرَبيّ أن يقولَ فيغدِرا
وما زالت الأضغانُ بابن أميَّةٍ
تراجِعُ منه القَلبَ حتى تحجرا
وحتى انبرى فاجتَثّ دوحةَ أحمدٍ
مفرِّعةَ الاغصان وارفةَ الذرى
وغطَّى على الأبصار حقدٌ فلم تكن
لتَجهَدَ عينٌ أن تَمُدَّ وتُبصِرا
وما كنتُ بالتفكير في أمر قتلهِ
لازدادَ إلا دهشةً وتحيُّرا
فما كان بين القوم تنصبٌّ كتبُهمُ
عليه انصبابَ السيل لما تحدَّرا
تكشَّفُ عن أيدٍ تُمَدُّ لبيعةٍ
وأفئدَةٍ قد أوشكَت أن تَقَطَّرا
وبينَ التخلَّي عنه شِلواً ممزَّقا
سوى أن تجيءَ الماءَ خِمسٌ وتُصدِرا
تولى يزيدٌ دَفَّةَ الحكم فانطوى
على الجمر من قد كانَ بالحكم أجَدرا
بنو هاشمٍ رهطُ النبيِّ وفيهُمُ
ترَعرَع هذا الدينُ غَرساً فاثمَرا
وما طال عهدٌ من رسالة أحَمدٍ
وما زالَ عودُ الملك رّيانَ اخضَرا
وفيهِمْ حسينٌ قِبلةُ الناس أصيدٌ
إذا ما مَشَى والصِيدُ فاتَ وغبَّرا
وغاض الزبيريين ان يبصِروا الفتَى
قليلَ الحِجى فيهم أميراً مُؤمَّرا
ففي كل دارٍ نَدوة وتجمُّعٌ
لأمر يُهم القومَ أن يُتدَّبرا
وقد بُثَّت الأرصادُ في كل وِجهةٍ
تخوف منها ان تُسَرَّ وتُجهَرا
وخَفُّوا لبيت المال يستنهضونَهُ
وكان على فضِّ المشاكل أقدَرا
وقد أدرك العُقْبى مَعاوي وانجلَتْ
لعينيه أعقابُ الامور تَبصُرّا
وقد كان أدرىَ بابنه وخصومِه
وأدرى بانَ الصَيدَ أجمعُ في الفرا
وكان يزيدٌ بالخمور وعصرِها
من الحكم ملتَفَّ الوشائج أبصَرا
وكانَ عليه أن يشُدَّ بعَزمه
قُوَى الأمر منها أن يَجدَّ ويسْهَرا
فشمَّر للأمرِ الجليلِ ولم يكن
كثيراً على ما رامَه ان يشمِّرا
ولكنَّه الشيءُ الذي لا معوِّض
يعوِّضُ عنه إن تولَّى وأدبَرا
وقلَّبها من كل وجه فسرَّه
بأن راءَها مما توَّقع أيسَرا
فريقينِ دينياً ضعيفاً ومُحنَقاً
ينفِّسُ عنه المالُ ما الحِقد أوغرا
وبينهما صِنفٌ هو الموتُ عينُهُ
وان كانَ معدوداً أقلَّ وأنزَرا
وماماتَ حتى بيَّن الحزمَ لابنه
كتابٌ حوى رأساً حكيماً مفكرا
وأبلَغَه أنْ قد تَتَبَّع جهدَه
مواطنَ ضَعفِ الناقمين فخدَّرا
وإن حسيناً عثرةٌ في طريقه
فما اسطاعَ فليستغنِ ان يتعثَّرا
وأوصاه شرّاً بالزبيريِّ منذرِا
وأوصاه خيراً بالحسَين فأعذَرا
لوَ ان ابن ميسونٍ أرادَ هدايةً
ولكن غَوِيٌّ راقَهُ أن يُغرِّرا
وراح " عبيدُ الله " يغتلُّ ضعفَه
وصُحبَتهُ ، حتى امتطاه فسيَّرا
نشا نشأةَ المستضعفينَ مرجيِّا
من الدهر أن يُعطيه خَمراً وميسِرا
وأن يتراءى قرده متقدِّماً
يجيءُ على الفُرسان أم متأخِّرا
وأغراه حُبّاً بالأخيطلِ شعرُهُ
لو اسطاعَ نَصرانيةً لتنصَّرا
وقد كان بين الحزنِ والبِشر وجهُه
عشيّةَ وافاه البشيرُ فبشَّرا
تردَّى على كره رداءَ خِلافةٍ
ولم يُلقِ عنه بعدُ للخمرِ مِئزرا
وشقَّ عليه أن يصوِّر نفسَه
على غير ما قد عُوِّدَت أن تُصوَّرا
وأن يُبتَلى بالأمرِ والنهيِ مُكرَها
وان يَجمع الضِدَّين سُكراً ومِنبَرا
إذا سَلِمت كأسٌ يُروِّحُ مُغبّقاً
عليه بها الساقي ويغدو مبكِّرا
وغنَّتهُ من شعر " الاخيطلِ " قَينَةٌ
وطارَحَها فيها المُغنّي فأبهَرا
فكلُّ أمور المسلمينَ بساعةٍ
من المجلِسِ الزاهي تُباع وتُشتَرى
وشاعَتْ له في مجلِس الخمر فَلْتَةٌ
من الشِعر لم تَستَثْنِ بَعثا ومَحشَرا
وقد كانَ سَهلاً عندَه أن يقولَها
وقد كانَ سهلاً عنده أن يُكفَّرا
على أنه بالرَغم من سَقَطاته
وقد جاءه نَعيُ الحسين تأثَّرا
فما كان إلا مثلَ قاطعِ كفِّة
بأُخرى ، ولما ثَابَ رشْدٌ تَحسَّرا
وأحسَب لولا أنَّ بُعدَ مسافة
زَوَت عنه ما لاقَى الحسين تأثَّرا
فما كان إلا مثلَ قاطعِ كفِّة
بأُخرى ، ولما ثابَ رشْدٌ تَحسَّرا
وأحسَب لولا أنَّ بُعدَ مسافة
زَوَت عنه ما لاقَى الحسينُ وما جرَىَ
ولولا ذُحولٌ قدمت في معاشِرٍ
تقاضَوا بها في الطَفِّ ديناً تأخَّرا
لزُعزِع يومُ الطف عن مُستقَرِّه
وغُيِّرَ من تاريخه فتَطَوَّرا
أقول لأقوامٍ مضّوا في مُصابه
يسومونه التحريفَ حتى تغيَّرا
دعوا رَوعةَ التاريخ تأخذْ مَحَلَّها
ولا تجهدوا آياتِه أن تُحوَّرا
وخلوا لسانَ الدهر ينطقْ فإنّه
بليغٌ إذا ما حاولَ النطقَ عَبَّرا
l